التعليم فى مصر من عصر محمد علي حتى اليوم ..، رصد شامل بالارقام والتواريخ
التعليم فى مصر من عصر محمد علي حتى اليوم .. رصد شامل بالارقام والتواريخ
التعليم في مصر .. الفارق الملحوظ و الناتج الملموسو ما فعله التعليم في مصر عندما كانت ضائعة ففي البدء كان العنصر البشري : محمد علي كمطور تعليمي .
بقلم/مصطفى نصار
لم تكن مصر بعد عرفت مفهوم الدولة بالمعنى الحديث حتى جاء محمد علي باشا (١٨٠٥_١٨٤٠)، فطورها على كافة المستويات و المجالات ، و على رأسها التعليم و التعلم الذي نقله نقلة نوعية من مجرد تعلم ديني في الكتاتيب للمدارس و الجامعات ، مهما كانت الأسباب التي دفعته لذلك . و لعل ذلك من جعلته ذا ثقل و حجم استراتيجي في المنطقة حتى حجمته اتفاقية لندن ١٨٤٠ بعدها أصيب بالخرف لمماته ، و تولت اسرته بعدها إكمال مسيرته .
ركز محمد علي بمراعاة بالغة و أهيمة شديدة على عدة أمور أهمها و أجدرها بناء نظام و هيكل التعليم الذي طلب من أجله الخبراء و المتخصصين الأجانب مثل كلوت بك الذي أشار عليه بإرسال البعثات التعليمية.
و بالفعل طبق ذلك الاقتراح فأرسل فوجين يمثل النواة الأولى للمدارس العليا و على رأسهم رفاعة الطهطاوي منشأ مدرسة الألسن عام ١٨٠٩ ، حادثًا بذلك طفرة في التعليم و التعلم في الوطن العربي آنذاك لعدم امتلاك مفهوم المدرسة العليا الذي صارت تعرف باسم الجامعة . عطفًا على ذلك، أسهم تطوير إرسال البعثاث بشكل عميق و مؤثر في تأسيس بقية الجامعات و المدارس الثانوية حتى يخرج إنسان يخدم في الجيش لتقويته و إرسائه فقط في حالة الردع حينما تريد دولة ما تجحيمه أو احتلال مصر .
وبناءً على ما سبق ذكره ، بناء الهيكل التعليمي سار من أعلى لأسفل ، كالتالي المدارس العليا تشمل ٣ سنوات دراسية ، و التوجهية ٤ سنوات ، و الابتدائية عام ، و الإعدادية عامين أي بمجمل عدد سنوات دراسية ١٠ سنين فقط و كان الطالب يتخرج إما مترجمًا محترفًا أو طبيبًا أو مهندسًا . و للمفارقة الكبرى، أحاطت الهالة الاجتماعية و المرتب الكافي المعلم الذي اعتبر بلا مبالغة ، عمود بناء الدولة في عصر محمد علي باشا، و يعترف الباحث الاستشراقي المرموق كينيث كونو بذلك قائلًا إن المعلم نما و هو يعترف و يعرف حقوقه أكثر من أي فرد آخر كالفلاح الذي غبن حقه و أكل حيًا في ظل الباشا .
و لابد من التنويه أن عقب وفاة محمد علي أكملت عائلته اهتمامها بالتعليم من بعده حتى و إن توفى بعض أفراد الأسرة بعد فترة قصيرة مثل إبراهيم و طوسون الذي أعادا هيكلة البعثات لتزيد عدد المبعوثين من مصر و إليها
و على رأسها دول عظمى متقدمة حضاريًا الآن مثل اليابان و كوريا الجنوبية!! فتقدمت اليابان بعلم مصر و علمائها مقابل انحدار تدريجي نتيجة سياسات خاطئة بدأت منذ عهد سعيد باشا حتى الاحتلال البريطاني لمصر.
و ذكر القاضي الهولندي بيتر فان بملن هوليوم لبعض الملاحظات المثيرة التي جعلت الأفراد في مصر ينظرون إليه كخواجة يريد أن يستزرق في عهد الخديوي إسماعيل مما جعل القاضي مستعجبًا و أكد أن النظام التعليمي و القضائي في مصر قد فتح عيون انجلترا على احتلال مصر و استغلال الديون التي كبلتنا حتى الاحتلال البريطاني لمصر عام ١٨٨٦ م ، و إعادة بناء التعليم بزرع العبودية و القهر الرمزي بسياسات إحلالية في التعليم مثل الأنجلزة و هي حلقة واحدة من ضمن سلسلة حديدية رثة طويلة قد جعلت المصري مطوعًا تحت رحمة الاحتلال لغاية عام ١٩١٩ متى اندلعت الثورة المقادة من سعد زغلول و الوفد .
المقاومة التعليمية …التعليم سلاح أحد من السيف
حينما احتل الإنجليز مصر في سنة ١٨٨٦ لم يريدوا إلا أن يكون شعبها محتلًا نفسيا مخافة مقاومتهم الشرسة التي اعترف بها الإنجليز و قبلهم الفرنسين . ففي كتاب مصر في عصر نابليون لأستاذ التاريخ الأمريكي خوان كول ، أن المصريين جابهوهم بشراسة و ضراوة بناء على عقيدة متينة و تعليم ديني حقيقي يبني الشخصية القوية و الكرامة الأبية التي أبت تنجيس الأزهر ووجهت المدافع بصدور عارية دون مخافة تخطر على البال منها .
و على الأساس السابق لجأ الإنجليز لعديد من الإجراءات أهمها جعل التعليم مجرد تعلم الأساسيات لتكوين و تشكيل البيرقواطية اللينة الأليفة ، التي لا تعارض إلا في سياق القانون و الحدود الآمنة بعكس جماعة الإخوان المسلمين على سبيل المثال. و كنتيجة لتلك السياسة و تفريغ و تجريف الشخصية الممتدد منذ محمد علي باشا ، مكث المصري أكثر من ٢٦ عام طيع مطوع هادئ البال ، في حين أيضًا لجأ الإنجليز لسياسة النجلزة التي حولت التعلم و التعليم للغة أخرى حتى يبنى بين الشخص و تعليمه سدًا منيعًا لا يفهم منه شئيًا غير النذر اليسير .
من طه حسين حتى الآن ..السقوط المدوي للتعليم
و ما ظل الوضع هكذا طويلًا إذ ظهرت نخبة أبت كون الاحتلال الإنجليزي يتحكم بهم ، و يهمش التعليم و يخصص ميزانيات للدفاع و الأسلحة و الخرسانة . فمثلما يصف الدكتور طه حسين في كتابه مستقبل الثقافة في مصر ، خفف الميزانات الهزيلة مستوى التعليم لمستوى غير مسبوق من التدني و التردي حتى بعد تعديل النظام على يد حسين سري باشا في عام ١٩٠٦ الذي أضاف شهادتي الكفاءة و الثقافة كتطوير مبدأي ، و تتكون شهادة الكفاءة من مدة دراسية تمتد ٦ سنوات لتؤهل الفرد للعمل بالمصالح الحكومية و شهادة الثقافة تعادل اليوم شهادة الماجستر التي تؤهل الفرد لإكمال تعليمه في الخارج ، أو ترقيه في العمل بسهولة .
جامعتى فؤاد والأسكندرية
و أنشأ طه حسين و عثمان أمين و غيرهم من المثقفين الجامعات المصرية بدء من إعادة ترميم جامعة إبراهيم باشا (جامعة إسكندرية حاليًا)، و جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا) عبر إضافة و تدريس مناهج تجعل الفرد يفكر و يحلل ، و درس في تلك الجامعات أساتذة و مفكرين و مؤرخين على رأسهم أحمد أمين و إبراهيم مدكور و يوسف كرم و غيرهم مما أسسوا العمود الفقري للمقاومة ، و الذي اختفى بمجيء جمال عبد الناصر لسدة الحكم.
فأصبح التعليم بعد إنشائه وسيلة مقاومة و ترقي ، ووزارة المعارف التي تولها طه حسين عام ١٩٠٨ ، و بعده نجيب الكيلاني ، ليقولوا للإنجليز لا لن نكون مثلما تصوغوننا ، و الممانعة مهدت الطريق لانتفاضات الطلاب الشهيرة و استشهاد العديد منهم برصاص الإنجليز في حوادث شهيرة مثل كوبري عباس في ١٢ فبراير ١٩٢٠ .
اقرأ أيضا انطلاق أول مؤتمر أورام مصري غدا.. تفاصيل
و خصص ميزانية خصيصة به بعد معارك أنهكته ، و تذكر زوجته سوزان حسين جزءً منها حيث تؤكد أنه لم يقبل الهزيمة حتى غير بالفعل نظام الجامعة بنسق جعل السفراء الأوربين أنفسهم يرسلون أولادهم لإكمال تعليمهم في مصر لعدم مكافأة نظام التعليم عندهم الإمكانيات و القدرات الذهنية لمدرسي و طلاب ، فالتعليم بهذا المعنى شامل كافة المجالات الاجتماعية و السياسية و الفكرية و الاقتصادية .
تحقيق أحلام فئة بعينها
فالسؤال المطروح حاليًا في النظام الحديث للثانوية ليس في جدواه بقدر ما هو تحقيق لأحلام فئة معينة تريد تحطيم الشخصية لإكمال و استمرار المثلث الأشهر للدمار بأحد أبرز أضلاعه ألا و هو الجهل فهل من رشد يعيد للتعليم مكانته الهامة و كرامته المهدورة بكافة عاملي القطاع من معلم يعد الأفقر على سطح الأرض و تصنيف أخرجنا منه لكون التعليم مجرد بصمجة و صرف نقود ، و تجهيل ممنهج عبر العقدين الأولين من حياة أي فرد فضلًا عن التجارب المستمرة غير المدروسة و تقليل الميزانية الخاصة به لمستويات قياسية غير مبررة ؟ و كأن التعليم يؤذهم و يؤكدلهم قول خالص جلبي في أن التعليم يعري نقصهم و دونيتهم .
اقرأ أيضا التعليم : اختلاف واضح بين ماتم تداولة والاسئلة التى وردت فى امتحان الكيمياء.