محطات وإنجازات تاريخية في حياة بنت الشاطئ…بقلم/سلوى الشامي

محطات وإنجازات تاريخية في حياة بنت الشاطئ 

بقلم/سلوى عبد الستار الشامي
لم تكن بنت الشاطئ كاتبة ومفكرة وباحثة فقط ، بل كانت نموذجاً فريداً من نوعه للمرأة المسلمة التي حررت نفسها بنفسها بالإسلام ، ومن أوائل من إشتغلن بالصحافة في جريدة الأهرام ، فمسيرة بنت الشاطئ في طلب العلم والكفاح تعد نبراسا للأجيال المتتالية ولا شك أن مسيرتها ستظل رصيداً فكرياً في الساحة الإسلامية .
ولدت عائشة عبد الرحمن في مدينة دمياط في ١٨ نوفمبر عام ١٩١٣ م ، ابنة عالم أزهري وحفيدة لأجداد من علماء الأزهر ورواده ، وعندما بلغت سن السابعة رفض والدها السماح لها بالالتحاق بالمدرسة فالتقاليد تأبى ذهاب البنات إلى المدرسة ، فدرست في المنزل وفي الكتاب ، ومن المنزل حصلت على شهادة الكفاءة للمعلمات عام ١٩٢٩ م بترتيب الأولى على القطر المصري كله ، ثم الشهادة الثانوية عام ١٩٣١ م وأرادت الالتحاق بالجامعة ، لكن لم يكن والدها يقبل أن تدخل ابنته الجامعة ، لكنها تمكنت من مواصلة دراستها في الجامعة بمساعدة جدها وكفاح والدتها .
وفي عامها الثاني بكلية الآداب ، كانت المكتبات تعرض كتابها الأول بعنوان ” الريف المصري ” ، وفازت بالجائزة الرسمية التي أعلنت عنها الحكومة في موضوع إصلاح الريف والنهوض بالفلاح ثم اختيرت عضواً في المؤتمر الزراعي الأول الذي انعقد في القاهرة عام ١٩٣٦ م .
وتخرجت عائشة عبد الرحمن من قسم اللغة العربية كلية الآداب بجامعة القاهرة عام ١٩٣٩ م ، ثم نالت الماجستير بمرتبة الشرف الأولى عام ١٩٤١ م ، وقد تزوجت أستاذها بالجامعة الأستاذ ” آمين الخولي ” أحد قمم الفكر والثقافة في مصر وصاحب الصالون الأدبي والثقافي ” مدرسة الأمناء” ، وأنجبت منه ثلاثة أبناء وهى تواصل مسيرتها العلمية لتنال رسالة الدكتوراه عام ١٩٥٠ ويناقشها عميد الأدب العربي ” طه حسين” .
لم تكن عائشة عبد الرحمن كاتبة ومفكر وباحثة فقط ، بل كانت نموذجاً فريداً من نوعه للمرأة المسلمة التي حررت نفسها بنفسها بالإسلام ، فمن طفلة صغيرة تلهو على شاطئ النيل في دمياط ، إلى أستاذة للتفسير والدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة القرويين في المغرب وأستاذ كرسي اللغة العربية وآدابها في جامعة عين شمس ، وأستاذ زائر لجامعات أم درمان بالخرطوم عام ١٩٦٧ ، والجزائر عام ١٩٦٨ ، وبيروت عام ١٩٧٢ ، وجامعة الإمارات عام ١٩٨١ ، وفي كلية التربية في الرياض ١٩٧٥ – ١٩٨٣ ، وتدرجت في المناصب الأكاديمية إلى أن أصبحت أستاذاً للتفسير في الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة القرويين بالمغرب حيث قامت هناك بالتدريس ما يقرب من عشرين عاماً .
بدأت عائشة عبد الرحمن منذ كانت في الثامنة عشر من عمرها بالنشر في مجلة النهضة النسائية ، ونظراً لشدة محافظة أسرتها التى لم تعتاد إنخراط النساء في الثقافة ، إختارت التوقيع باسم ” بنت الشاطئ” ، إشارة إلى طفولتها ولهوها صغيرة على شاطئ النيل بدمياط ، وبعد عامين بدأت الكتابة في صحيفة الأهرام فكانت ثاني إمرأة تكتب بعد الأديبة ” مي زيادة ” وظلت بنت الشاطئ تكتب بالأهرام حتى وفاتها ، وكان لها مقال أسبوعى ، وكان آخر مقالاتها ما نشرته الأهرام يوم ٢٦ نوفمبر عام ١٩٩٨ بعنوان ” على إبن أبي طالب كرم الله وجهه ” وهو استكمال لسلسلة طويلة من المقالات تناولت سير آل البيت ، وشرعت في كتابة سلسلة مقالاتها اليومية الرمضانية كعادتها إلا أن القدر لم يمهلها لإتمامها .
تركت بنت الشاطئ ما يربوعلى الأربعين كتاباً في الدراسات الإسلامية والقرآنية أبرزها ” التفسير البياني للقرآن الكريم ، وتراجم سيدات بيت النبوة ، وكذا تحقيق نص رسالة الغفران المعري ، وقيم جديدة للأدب العربي ” ، ولها أعمال أدبية وروائية أشهرها ” على الجسر – سيرة ذاتية ” وقد سجلت فيها طرفا من سيرتها الذاتية وسطرته بعد وفاة زوجها الأستاذ أمين الخولي بأسلوبها الأدبي الراقي ، كما شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية في كل هذه المجالات ، واشتهرت فى جميع أرجاء العالم الإسلامي ، وكانت كتاباتها موضعاً لدراسات غربية ورسائل جامعية في الغرب وفي اليابان .
لم تكتفي بنت الشاطئ بالكتابة فقط بل خاضت معارك فكرية شهيرة واتخذت مواقف حاسمة دفاعاً عن الإسلام وكان من أبرزها معركتها ضد التفسير العصري للقرآن الكريم ذودا عن التراث ، ودعمها لتعليم المرأة ، ومواجهتها الشديدة للبهائية في أهم ما كتب في الموضوع من دراسات مسلطة الضوء على علاقة البهائية بالصهيونية ، وكذا أبحاثها حول الحديث النبوي .
وبنت الشاطئ جديرة بأن تدعى ” بنت بطوطة ” فقد ولعت بالسنوات الأخيرة بالرحلات صيفاً وشتاءاً فسافرت إلى أسبانيا وفرنسا وسويسرا وانجلترا وإيطاليا وألنمسا ، والحجاز والعراق والكويتي وطشقند وسوريا ، ورأت وسمعت وكتبت عما شاهدته ونافست ابن بطوطة في رحلاته وإن لم تكن لم تر مثله الهند والسند والصين .
وقد حظيت الدكتورة عائشة عبد الرحمن بمكانة رفيعة في أنحاء العالم العربي والإسلامي ، فكرمتها مصر في عهد الرئيس الراحل أنور السادات ، وعهد الرئيس حسني مبارك ، ونالت جائزة الملك فيصل ، ونالت نياشين من دول عديدة ، كما كرمتها المؤسسات الإسلامية المختلفة بعضوية مثل ” مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة – والمجالس القومية المتخصصة ، وكرمها ملك المغرب ” .
وقد فقدتها الأمة الإسلامية في ا ديسمبر ١٩٩٨ وودعتها مصر في جنازة مهيبة حضرها الأدباء والعلماء والمثقفون الذين جاءوا من شتى الدول ونعاها شيخ الأزهر وأم صلاة الجنازة بنفسه ، ولقد أعلنت الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية عند وفاتها عن إقامة سرادق لتقبل العزاء فيها في لفتة نادرة تعكس مكانة بنت الشاطئ من الخليج إلى المحيط .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.