من معركة الملاعب إلى معركة المرض.. الزمالك يودع مقاتله الشجاع سعد محمد

من معركة الملاعب إلى معركة المرض.. الزمالك يودع مقاتله الشجاع سعد محمد

من معركة الملاعب إلى معركة المرض.. الزمالك يودع مقاتله الشجاع سعد محمد

في صباح حمل بين طياته غصة كبيرة وحزن عميق، استيقظ الوسط الرياضي المصري، ومحبو نادي الزمالك، على خبر مؤلم: وفاة اللاعب الشاب سعد محمد، أحد أبناء القلعة البيضاء السابقين،

كتب: هاني سليم 

 

بعد صراع طويل وشجاع مع مرض السرطان. سطر اللاعب الراحل في سنوات قليلة قصة كفاح نادرة، حكاية رياضية وإنسانية تستحق أن تُروى وتبقى خالدة في ذاكرة الجماهير.

ميلاد حلم في ملاعب الزمالك

سعد محمد لم يكن مجرد اسم يمر مرور الكرام في عالم كرة القدم المصرية، بل كان واحدًا من المواهب التي بزغت في قطاع الناشئين بنادي الزمالك، حيث بدأ خطواته الأولى كلاعب وسط مدافع يملك إمكانيات بدنية وفنية جعلت كثيرين يتنبأون له بمستقبل واعد.

في قميص الزمالك، لم يكن سعد يحمل فقط شارة النادي العريق، بل حمل داخله شغف اللعب وحب الانتصار والولاء للألوان البيضاء، التي طالما حلم أن يدافع عنها بين صفوف الفريق الأول، في مباريات الدوري ودوري الأبطال، أمام جماهير تهتف باسمه.

لكن كما في القصص التي نقرأها عن القدر حين يعاند، جاءت لحظة قلبت حياته رأسًا على عقب.

المرض اللعين يقتحم الحلم

في عام 2018، وبينما كان سعد يستعد لخطواته التالية على طريق الاحتراف، فوجئ بتشخيص صادم: مرض السرطان تسلل إلى جسده الشاب، ليبدأ رحلة علاج شاقة لم يكن مستعدًا لها، لكنها كشفت عن وجه آخر لهذا اللاعب، وجه لا يعرف الاستسلام.

السرطان، ذلك العدو الصامت الذي لا يفرق بين رياضي وشخص عادي، لم يفلح في كسر روحه رغم الألم والتعب وجلسات العلاج الكيماوي. جلسات طويلة في المستشفيات، شعر متساقط، جسد منهك، وآمال مؤجلة، لكنها كلها لم تكن كافية لتنتزع من قلب سعد رغبته في الحياة وحلمه الكروي.

نادي الزمالك.. أكثر من مجرد فريق

منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها سعد إصابته، كان نادي الزمالك حاضرًا في المشهد، ليس كنادٍ رياضي فقط، بل كأسرة حقيقية تحيط بأحد أبنائها في أصعب اختبار يواجهه إنسان.

أعلن مسؤولو النادي عن تكفلهم بعلاج سعد محمد بشكل كامل، داخل وخارج مصر، وخصصوا له الدعم المادي والمعنوي، وشارك زملاؤه اللاعبين وجماهير الزمالك في حملة دعم واسعة، جعلت قصة سعد تتصدر صفحات الرياضة والشبكات الاجتماعية، وتحولت إلى رمز للصمود والأمل.

كانت صورة سعد، وهو يقف مبتسمًا رافعًا قميص الزمالك رغم علامات المرض، مشهدًا محفورًا في ذاكرة كل محب لكرة القدم. صورة تعبر عن المعنى الحقيقي للرياضة: دعم وتضامن وأخوة قبل أي نتيجة أو بطولة.

شفاء الأمل.. وانتصار الروح على الألم

بعد رحلة طويلة مع المرض، دامت ما يقارب 4 سنوات، جاء عام 2022 ليمنح سعد محمد لحظة كان ينتظرها، أعلن الأطباء شفائه التام، وخرج اللاعب ليبشر كل من دعمه بأن المعركة قد انتهت لصالحه، معلنًا انتصاره على المرض بفضل الله، الأطباء، وحبه للحياة.

لكن، هذا الانتصار لم يكن بسيطًا، لقد انتصر سعد على الألم النفسي قبل الجسدي، انتصر على الخوف، وأثبت أن الشجاعة ليست محصورة في الفوز بالمباريات، بل في القدرة على مواجهة الحياة بأكملها.

عاد الأمل يداعب قلبه وقلب أسرته الصغيرة، وبدا وكأن الحلم الذي توقف في منتصف الطريق يستعد للاستئناف، حتى جاءت لحظة الغدر من المرض مجددًا.

المرض يعود.. نهاية الحكاية الموجعة

في 2023، ومع بداية مرحلة جديدة من التعافي، عاد السرطان ليضرب من جديد، وكأن المرض رفض أن يترك هذا الجسد الطيب دون أن يخوض معه جولة أخرى. أعلن سعد بنفسه عن انتكاس حالته الصحية، بكل شجاعة وصراحة، وأكد حينها أنه سيخضع لعملية زرع نخاع، وهي واحدة من أكثر الإجراءات العلاجية صعوبة وتعقيدًا.

الجمهور المصري، وجماهير الزمالك خاصة، عاشت معه تفاصيل هذه المرحلة لحظة بلحظة، بدعوات مستمرة على مواقع التواصل، ورسائل دعم وحب من كل أطياف الوسط الرياضي، في مشهد إنساني عابر للانتماءات الكروية.

لكن، وعلى الرغم من قوة إرادته وإيمانه العميق، لم يتمكن جسده الضعيف هذه المرة من الصمود، ورحل سعد محمد بهدوء في صباح اليوم، مودعًا الدنيا، تاركًا وراءه سيرة عطرة، واسمًا سيظل محفورًا في القلوب.

سعد محمد.. دروس تتجاوز حدود المستطيل الأخضر

قصة سعد محمد لم تكن مجرد حكاية شاب لعب كرة القدم وأصيب بالسرطان، بل كانت ملحمة عن الأمل والتحدي. جسدت حكاية إنسان صمد أمام الألم، وواجه أصعب الأوقات بابتسامة أوسع من حزنه.

سعد علم جمهوره درسًا لم يكن يُدرّس في الملاعب: أن الشجاعة الحقيقية ليست فقط في تسجيل الأهداف أو حمل الكؤوس، بل في الوقوف بثبات أمام المرض، وتقبل قسوة القدر بإيمان راسخ وقلب مليء بالرضا.

ورحيله اليوم لم يكن مجرد خبر وفاة، بل لحظة توقفت عندها كل جماهير الكرة المصرية، احترامًا لحياة قصيرة في السنوات، لكنها غنية بالدروس والمعاني الإنسانية.

في الذاكرة.. لاعب لم يعرف الاستسلام

اليوم، غاب الجسد، لكن الاسم سيبقى حيًا. سيبقى سعد محمد رمزًا لقصة لم تكتمل في الملاعب، لكنها اكتملت في القلوب. سيبقى في الذاكرة كصاحب الروح التي لم تهزمها قسوة المرض، بل علمت الجميع أن الأمل لا يموت، حتى وإن غلب الجسد.

وعلى صفحات الزمن ستظل قصته عنوانًا كبيرًا لمعنى القوة والتمسك بالحياة، وستُذكر كلما جلس لاعب شاب في غرف خلع الملابس، يحلم بالمجد الكروي، ليدرك أن الحياة لا تعترف فقط بالموهبة، بل بحاجة أيضًا لقلب شجاع يؤمن أن كل يوم على هذه الأرض هدية، وكل لحظة تستحق أن تُعاش.

وداعًا سعد محمد، وداعًا أيها المقاتل النبيل.

المزيد:لغز فشل فيلم «فأر بـ 7 أرواح» في موسم العيد …ومغادرتة السينما وسط صدمة لأبطالة 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.