ويبقى الأثر… بين المواقف والذكريات، هناك شيء لا يُمحى مهما مر الزمان
ويبقى الأثر... بين المواقف والذكريات، هناك شيء لا يُمحى مهما مر الزمان
ويبقى الأثر… بين المواقف والذكريات، هناك شيء لا يُمحى مهما مر الزمان
تمر الأيام كأنها لحظات عابرة، تتغير فيها الوجوه وتتبدل المواقف، ننتقل من محطة إلى أخرى في رحلة الحياة، نترك أماكن، ونلتقي بأشخاص، بعضهم يمر مرور السحاب، وآخرون يتركون خلفهم أثراً لا يُنسى… أثراً يبقى، رغم أن كل شيء آخر يتغير.
كتب: هاني سليم
نعيش كل يوم نحارب قلقنا، نخوض معارك داخلية لا يعلمها سوانا، نتظاهر بالقوة أحيانًا ونختبئ خلف ابتسامات صامتة، نحمل على كاهلنا هموماً وأثقالاً لا يراها من حولنا، وحده الله يعلم حجمها الحقيقي. نصمت رغم أن الكلام يتزاحم داخل صدورنا، ونبتسم رغم أن القلب يتألم، ولكل منا أسلوبه الخاص في مواجهة الحياة.
في زحام هذه المشاعر المتشابكة، نغفل عن حقيقة بسيطة لكنها عميقة: أن كلماتنا وتصرفاتنا، حتى تلك التفاصيل الصغيرة التي نظنها بلا قيمة، تترك أثراً في قلوب الآخرين. ربما تكون نظرة حانية، أو كلمة صادقة، أو لحظة احتواء غير متوقعة — وقد تصبح هذه اللحظة، بمحض الصدفة، طوق نجاة لشخص يبحث عن يد تنتشله من غرقه.
الأثر لا يحتاج منا ثروة أو منصباً أو شهرة، بل يحتاج قلباً صادقاً ونية طيبة. الأثر لا يُقاس بحجم الفعل، بل بمدى صدقه وبساطته. في حياتنا، كثيرون مروا بنا بصمت، لكنهم تركوا بصمتهم في أعماقنا، في حين أن آخرين شغلوا المساحات كلها، لكن حضورهم كان فارغاً بلا روح.
تأمل حياتك، وستتذكر حتماً شخصاً غيّر لك شيئاً صغيراً، لكنه صنع بداخلك فرقاً عظيماً. ربما موقف عابر أنقذك من يأس، أو كلمة دفعتك للاستمرار رغم التعب، وربما حضن صادق، لم يقل الكثير، لكنه فهم كل ما عجزت عن قوله.
لهذا، فلنكن نحن هؤلاء الأشخاص الذين يتركون أثراً جميلاً، لا يُمحى. فلنحرص أن تكون خطواتنا في حياة الآخرين كحبات الندى على أوراق الأمل، نرطب قلوبهم إذا جفت، ونسقي أرواحهم كلما ظمئت.
لا بأس أن تكون دروبنا مليئة بالحجارة، لا بأس أن تتعبنا الحياة، فالأهم أن نختار أن نزرع وردة في درب أحدهم، لأن هذا الورد سيظل شاهداً علينا، حتى وإن غابت خطواتنا.
الأيام تمضي، والوجوه تتغير، والمواقف تتبدل، لكن الأثر… يظل شاهداً، يروي حكايتنا، يبني جسرًا بين القلوب، ويمنح الحياة عمقها الحقيقي.
نعم، ويبقى الأثر.