أسرار انبهار العالم بقصة جلال الدين الرومي وشمس التبريزي

أسرار انبهار العالم بقصة جلال الدين الرومي وشمس التبريزي

أثر جلال الدين الرومي بشكلٍ كبير في الثقافة الغربية، أكثر من جميع أعلام التصوّف في العالم، وأبهرت قصّته مع شمس الدين التبريزي العالم كله

 

استمع إلى صوت الناي كيف يقصّ

حكايته.. إنه يشكو آلام الفراق

يقول منذ قطعت من منبت الغاب والناس رجالاً ونساءً يبكون لبكائي

إنني أنشد صدراً مزّقه الفراق، حتى أشرح له ألم الاشتياق فكل إنسان أقام بعيداً عن أصله، يظل يبحث عن زمان وصله بهذه الكلمات يبدأ “سلطان العارفين” مولانا جلال الدين الرومي ديوانه الشهير“المثنوي”، أحد أهم وأشهر أعمال الأدب الصوفي وأكثرها تأثيراً وانتشاراً في العالم. يُطلق عليه العالم الفارسي “قرآن بهلوي” أو القرآن الفارسي، وقال عنه أدباء الغرب إنه من أعظم أشعار العالم، في عُمْقَ الفكرِ، وابتكار الصور.

شكلت الفكر الصوفي للرومي وهي التي غرست بذرة المحبة والتسامح التي نبتت وأصبحت شجرة يستفيد من ثمارها ويستظل بظلالها كل باحث عن الحب والتسامح والسلام في العالم.

يقول مولانا عن شمس في إحدى الغزليات:

أنت سمائي
وأنا أرضك

إني مذهول: ماذا قررت لي أن ألد؟

ماذا تعرف الغرض عن البذرة التي زرعتها أنت؟

كانت في القاهرة عام 1835 في «مطبعة بولاق» في القاهرة، ثم تلتها طباعة الشرح الأول الوحيد
باللغة العربية سنة 1870 في المطبعة نفسها.

وكان يوسف المولوي، المنتسب إلى الطريقة المولوية، هو أول من قدّم شرحاً للمثنوي بالعربية، في القرن التاسع عشر.

وكانت ذروة الاهتمام العربي بالرومي في القرن العشرين بفضل جهود طه حسين واهتمامه بنقل آداب الأمم الإسلامية بخاصة الأدب الفارسي، إلى العربية.

وبعد ذلك كتب الدكتور عبد الوهاب عزام عدة مقالات يعرض فيها للرومي وشعره في مجلتي الرسالة والثقافة. ثم أصدر كتابه “فصول من المثنوي” عام 1935 ترجم فيه عدة فصول من المثنوي بهدف التعريف بالرومي وأدبه. ثم ترجم تلميذه محمد عبد السلام كفافي أول مجلدين من المثنوي مع شرح لهما عام 1969 وهو من أفضل الترجمات والشروحات العربية التي قُدمت عن المثنوي حتى يومنا هذا. كما ترجم المجلدين الثالث والرابع من المثنوي إلا أنهما لم يُنشرا إلا بعد وفاته. كما نشر قبل ذلك أول كتاب شامل باللغة العربية عن جلال الدين الرومي وهو “الرومي وتصوُّفه”.

وورث إبراهيم الدسوقي شتا شغف كفافي بحياة الرومي وأدبه وترجم المجلدات الستة للمثنوي عام 1996.

وآمال الرومي يمكن أن تكون جزءاً من
أفكار وآمال اليونسكو”.

وفي عام2015 قام المغني الأمريكي “كريستيان مارتن المغني بفرقة “كولد
بلاي” بإدراج مقتطفات من أشعار للرومي بعنوان “بيت الضيافة” في
ألبوم فرقته الجديد وحققت الأغنية نجاحاً كبيراً داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وأصبحت أشعار الرومي تُطبع على الملابس والهدايا التذكارية وأشعاره تُغنَّى في الحفلات وحتى المطاعم الراقية. وفي 2016 أعلنت صحيفة الغارديان البريطانية أن الكاتب ديفيد فرانزوني، كاتب سيناريو فيلم “المصارع” أو (Gladiator) اتفق مع المنتج ستيفن جويل براون على إنتاج فيلم حول سيرة مولانا جلال الدين الرومي، وأعلن نيتهما ترشيح الممثل ليوناردو دي كابريو لتجسيد شخصية الرومي، إلا أن المشروع توقف ولم يرَ النور.

إلى أنهم أغفلوا حقيقة أن الرومي قبل كل شيء عالم وفقيه مسلم يتبع المذهب الحنفي، ويقول عن نفسه: “أنا خادم القرآن وذرة تراب المصطفى”.

جدير بالذكر أن الرومي بدأ كتابه المثنوي بعبارة “هذا كتاب المثنوي، وهو أصولُ أصولِ أصولِ الدين في كشف أسرار الوصول واليقين وهو فقه الله الأكبر وشرع الله الأزهر وبرهان الله الأظهر”، ليدلّل على أن المثنوي ليس فقط أشعاراً صوفية وحكماً، بل منهج كامل لفهم الدين.

ويشير الدكتور جيلان إلى أن بعض الأوساط الغربية أرادا استغلال مولانا لتأكيد فكرة“الإسلام المعتدل” وتقديمه نموذجاً له، الأمر الذي يُعَدّ إشارة ضمنيةأيضاً إلى وجود إسلام آخر متطرف، وهو ما يرفضه المسلمون.

وتابع: “قد يكون للرومي نقاط التقاء مع الفلاسفة اليونان أو الثقافة الصينية القديمة، وربما تحتوي أشعاره على مواقف ذكرت بالإنجيل والتوراة لإيصال فكرة ما.

ولكنه قبل كل شيء عالم وفقيه مسلم، كما أن القرآن لا ينكر التوراة والإنجيل،
مؤكداً أنه لكي يكون شخص ما “مولويّاً” أو من مريدي مولانا الرومي فعليه
أولاً أن يكون مسلماً، لأن الطريقة المولوية وتعاليم مولانا ليست منفصلة عن الإسلام”.

وأضاف أن جلال الدين الرومي يُعَدّ “ماركة” جيدة للتعريف بالإسلام وتعاليمه وتقديم صورة صحيحة عن الإسلام وتصحيح الصورة النمطية الراسخة في أذهان البعض التي تربط بين الإسلام والعنف ونبذ الآخر، مشيراً إلى أن ديوان المثنوي الذي تُرجم لـ26 لغة ولا يزال يُلهِم كثيرين منذ أكثر من 8 قرون ويخاطب كل الإنسانية يُساعد على تقديم تلك الصورة.

ورجع جيلان عدم ظهور الاهتمام بالرومي في تركيا مبكّراً إلى القانون رقم 677 الصادر عام1925 الذي نصّ على إلغاء كل الطرق وإغلاق الزوايا والتكايا، وإلغاء الألقاب الدينية مثل الشيخ والدرويش والإمام وغيرها من الألقاب الدينية.

ونختم باقتباس من أشهر أشعار مولانا الرومي وأكثرها انتشاراً لكونها تُعَدّ ملخَّصاً للنهج الذي يجب أن يحيا عليه الإنسان مهما كان دينه أو عرقه:

“كُن في الحُب كالشمس، كن في الصداقة والأخوَّة كالنهرِ، كُن في ستر العيوبِ كالليل، كن في التواضعِ كالتراب، كن في الغضب كالميت، وأياً كنت من
الخلائق، إما أن تبدو كما أنت، وإما أن تكون كما تبدو…”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.