أشهر مرافعة في السينما ضد الحكومة

 

كتب / حسام الأطير

 

السينما هي مرآة المجامع ونافذة شرعية لمحاربة الفساد بكل أشكاله، وتسليط الضوء على المخاطر التي تهدد المجتمع 

وهذا ما أدركه ذلك الثلاثي (عاطف الطيب، بشير الديك، وأحمد زكي) فقدموا رائعتهم الخالدة “ضد الحكومة” عام ١٩٩٣ 

إحتوى فيلم ضد الحكومة  مرافعة أحمد زكي «الأسطورية الكارثية» “كلنا فاسدون.. كلنا فاسدون.. لا أستثنى أحدًا.. حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة، سيدي الرئيس.. إن ما أطالب به أن نصلي جميعًا صلاة واحدة، صلاة العدل، صلاة واحدة لإله واحد.. سيدي الرئيس.. أليسوا بشرا خطائين مثلنا! أليسوا قابلين للحساب والعقاب مثل باقي البشر! سيدي الرئيس.. أنا ومعي المستقبل كله نلوذ بك، ونلجأ إليكم، فأغيثونا، أغيثونا أغيثونا.. والله الموفق”.. يظل مشهد الراحل أحمد زكي، في مرافعته الشهيرة بفيلم “ضد الحكومة”، واحدًا من أقوى مشاهد السينما المصرية على مدار تاريخها الكبير، وتظل كلماته خالدة معبرة عن قصته وقصة جيل كامل.
وجاءت هذه الكلمات في مشهد المرافعة، والتي صحبها تألق أحمد زكي كعادته في “ضد الحكومة” بأداء دور المحامي بوجهيه (المستغل الذي يسخر كل إمكاناته للوصول إلى غاياته بخلاف دفاعه الدائم عن الساقطات في قضايا الدعارة، والمناضل من أجل نصرة الحق مهما تعرّض لضغوط)؛ أيقونة للدفاع عن المظلومين والحقوق في وجه أصحاب الجاه.

ورغم ذلك، فوجئ جميع محبي الفيلم، بتصريح للمستشار القانوني لنقابة المهن التمثيلية شعبان سعيد، والذي كشف لبرنامج “صباح الورد” على فضائية ten، أن مشهد مرافعة أحمد زكي في فيلم “ضد الحكومة” كان قويا للغاية وأبكانا جميعا، إلا أنه رغم ذلك تضمن كوارث قانونية، موضحًا: “أحمد زكي كان يترافع في دعوى مدنية، والقضاء المدني يعتمد على المستندات والمذكرات وليس على المرافعات، محاكمة المسؤولين تتم أمام القضاء الجنائي وليس المدني، وكان يجب على صناع الفيلم تفادي هذا الخطأ من خلال اللجوء إلى محكمة الجنايات”.
وبهذا التصريح تبادر إلى الأذهان قصة واحد من أهم أفلام المخرج الراحل عاطف الطيب، وأحد أعظم أفلام الإمبراطور أحمد زكي، ففي “ضد الحكومة” ترفض السلطة الاعتراف بفشلها وتعتبر حادثة اصصدام حافلة طلاب مدرسة بعربة القطار مجرّد “قضاء وقدر” يستحق عقاب السائق وعامل سكة الحديد، لكن “المحامي مصطفى خلف/ بطل الفيلم” ينجح في طلب الوزراء المسؤولين للمثول أمام المحكمة وتقديمهم إلى العدالة.
الفيلم الذي أُنتج عام 1992 هو من علامات السينما المصرية والعربية، تصوير سعيد شيمي، مونتاج أحمد متولى، موسيقى مودي الإمام، إنتاج “تاميدو” للإنتاج والتوزيع (مدحت الشريف)، وهو يلخص أفكار مخرجه عاطف الطيب، وتجربته في هزيمة 67 والانفتاح والحروب والانتصارات، بطريقة مباشرة وواضحة وصريحة للغاية، وليس أدل على ذلك من اسم الفيلم نفسه، والذي كان في البداية أكثر وضوحًا “مافيا التعويضات” قبل تغييره.
القصة بدأت عندما قرأ الكاتب بشير الديك سلسلة تحقيقات للصحفي وجيه أبو ذكري عن حوادث الطرق، وخاصةً حادث انقلاب أتوبيس طلاب مدرسة في الإسماعيلية راح ضحيته عدد كبير من الأطفال، فقام “الديك” بصياغتها وكتب لها السيناريو، وأخرجها القدير الراحل عاطف الطيب، ويعتبر الفيلم هو التعاون الخامس بين الطيب وأحمد زكي، بعد روائع: “التخشيبة” و”البريء” و”الحب فوق هضبة الهرم” و”الهروب”.
“ضد الحكومة” بطولة أحمد زكي، لبلبة، عفاف شعيب، أبو بكر عزت، المنتصر بالله، قصته تدور حول مافيا التعويضات، ومن العاملين بها “المحامي مصطفى خلف” الذي يقدم على فعل أي شيء مقابل أن يكسب قضية، وكان يقضي كل وقته في ماخور القوادة “سنية” (جليلة محمود)، ويسعى وراء الراقصة “خواطر” (وفاء مكي)، حتى تحول فكره بسبب حادثة الأتوبيس بعدما اكتشف أن من ضمن الضحايا ابنه “سيف” (محمد نجاتي) من طليقته التي أوهمته بتخلصها من حملها.
ولكون الفيلم يناقش قضية غاية الأهمية، تعرّض لأزمات رقابية، حيث روت الفنانة لبلبة كواليس الفيلم خلال تكريمها في مهرجان الأقصر السينمائي عام 2015، حيث كشفت أنه تم حذف مشهدين من قِبل الرقابة ما جعلها تبكي بشدة يوم عرضه، وقالت: “عند عرض الفيلم فوجئنا بحذف مشهدين مهمين جدا ونزلت من قاعة العرض باكية لأن هذين المشهدين كانا من أهم المشاهد التي صورتها في حياتي، فوجدت مدير دار العرض يخبرني بأن المخرج عاطف الطيب تعرض لضغوط من نظام مبارك لحذفهما وإلا ما كان الفيلم ليُعرض”.
وأوضحت الفنانة  “لبلبة” أن المشهد الأول الذي تم حذفه، هو مشهد جمعها بـ”مصطفى خلف” بعد إلقاء القبض عليه واحتجازه داخل مبنى أمن الدولة، وهي تقوم بتحذيره من الاعتداءات التي يمكن أن يتعرض لها، في نفس الوقت كانت صورة للرئيس الأسبق حسني مبارك، معلّقة على أحد جدران الغرفة، ففهم منها أن رجاله هم من يقومون بهذه الاعتداءات، فتم حذف المشهد من الفيلم، بينما المشهد الثاني كان يتعلق بالحديث عن الانتهاكات التي يتعرض لها المسجونون في مصر، وتضمن المشهد ظهورها مع “مصطفى خلف” وهي تقول: “مش هيسيبوك وهينتهكوا آدميتك”، وكان من المفترض أن تروي له تفاصيل مع حدث لها أثناء سجنها على خلفية مساندتها للعمال، ولكن تم حذف المشهد.
ومع نهاية أحداث الفيلم، وصلنا إلى ذروة الأحداث، حيث يبدأ صراع داخلي لـ”مصطفى خلف” بين الاستسلام أو الاستمرار في مواصلة الدفاع عن حق نجله وآخرين، ثم نصل إلى مشهد أسطوري، وهو مشهد المرافعة، وفيه يلخص أحمد زكي قصته وقصة جيل كامل، حيث يقف أمام القضاء مطالبًا بضرورة مساءلة المسؤولين الكبار والوزراء، كما يعترف بكل جرائمه المجتمعية وكونه محاميا انتهازيا: “كلنا فاسدون.. كلنا فاسدون.. لا أستثنى أحدًا.. حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة”.
الكاتب بشير الديك يقول عن “ضد الحكومة”: “أدركنا أننا أمام دولة فاسدة تقتل أطفالها الصغار، بلد فيها الفساد للرُكب، فقدّمنا رؤية وتحليلا ورسالة واضحة، (ضد الحكومة) هو أعظم الأفلام التي قدّمتها على مدار تاريخي الفني”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.