إسماعيل يس .. أضحك الملايين وعاش حياة مأسوية “الحلقة الأولى”

بقلم خالد فؤاد

ولد بعض نجوم الزمن الجميل في حياة رغدة وتمردوا عليها ليعملوا في الفن ومنهم يوسف وهبي وبهيجة حافظ وزكي رستم ، لكن على الجانب الآخر كانت هناك حياة بائسة يملؤها الفقر والقهر عاشها بعض النجوم الآخرين في طفولتهم وصباهم وامتدت حتى الشباب، ومنهم تحية كاريوكا وسامية جمال وزينات صدقي وإسماعيل يس .. وشخصيات هؤلاء المعذبون تدعو للدهشة من مقدرتهم العجيبة على تخطي الصعاب، فلو استسلم كل منهم للواقع الأليم الذي عاشه كان الفن سيخسر الكثير، فقد تمكنوا جميعا من الوصول إلى قمة المجد الفني وتربعوا عليه وأصبحوا في سجل الخالدين.
دعونا اليوم نلقي الضوء على المآسي التي واجهت إسماعيل يس نجم الكوميديا في الوطن العربي الذي استطاع أن يترجم دموعه وآلامه إلى كلمات وإيماءات تسعد القلوب وتنتزع الضحكات من الجمهور.

طفولة بائسة

في مقدمة قصة حياته التي رواها إسماعيل يس بصوته لإذاعة صوت العرب أكد أنه ولد لأب مستهتر يملأ حياته بالسهر في البارات وشغلته حياة اللهو عن زوجته وإبنه الوحيد إسماعيل، فقد كانت حياة والدة إسماعيل مشتته بسبب عدم اهتمام زوجها ببيته وبإبنهما، وحاولت مرارا إصلاح حاله لكن حياة الملذات أسكرته ، حتى جاءت اللحظة الأصعب في حياة إسماعيل الطفل، فقد سقطت والدته لتلفظ أنفاسها الأخيرة بعد مناقشة حادة مع الوالد ..
كانت تدعوه للبعد عن حياة السكر والسهر لكنه نهرها ودفعها بيده ليبعدها عن طريقه لتسقط على الأرض، فعاد الرجل ليطمئن عليها ليجدها تصارع الموت وتكون آخر كلماتها إسماعيل .. إسماعيل.
تؤكد تلك البداية حياة القهر التي عاشها إسماعيل في طفولته، فبعد فقدان الأم زادت المآسي في حياته ، ودعونا نؤكد أن والد إسماعيل كان ثريا، فقد كان يملك محلا لتصنيع وبيع المشغولات الذهبية ورثه عن والده “على نخلة” الذي كافح ليصبح من الأثرياء ويعلم ولده ياسين صنعته، وبالفعل ورث ياسين ماتركه والده وكان ماهرا في تصنيع وبيع الذهب والفضة، لكن كان هناك سببان لإفلاس الرجل، أولهما التبذير على حياة السهر والمراقص والأمر الثاني كان حالة الركود التي خلفتها الحرب العالمية الأولى مما دعا ياسين لإهمال محله وتقليل العمالة فيه ليصل إلى مرحلة الإفلاس.

يتم مبكر

رحلت الأم وتركت إسماعيل في رعاية الأب الحزين الذي بدأ العمل عند أحد أصحابه، فتارة يترك إسماعيل يلهو مع الصغار في الشارع طوال اليوم، حتى يقبل الليل فيعود الطفل إلى البيت المظلم وينزوي به حتى تطرق الباب إحدى الجيران لتضئ له لمبة الجاز وتطعمه أو تأخذه يجلس مع أولادها حتى يعود الأب .. وكان الوالد يشعر بنظرات إسماعيل وهو يعيش اليتم والقهر، فكان أحيانا يأخذه معه في عمله ويعود به آخر اليوم .. وبدأ الرجل في إسترداد مكانته في صنعته فاشترى مشغولات ذهبية بالأجل وابتسمت له الحياة وعادت النقود إلى يديه لتغريه بأن يفكر في الزواج .
إسماعيل ياسين
إسماعيل ياسين

عذاب زوجة الأب والجدة

شعر إسماعيل باليتم فعلا بعدما تزوج والده من إمرأة متسلطة رفضت أن يستكمل إسماعيل تعليمه وجعلت منه خادما يعمل في البيت ويقضي لها حاجيات البيت، وفي آخر الليل يسمعها تشكو منه لوالده، حتى قرر الوالد أن يرسله إلى جدته لأمه ليعيش معها، وكانت الجدة تشعر أن ياسين كان سبب موت إبنتها فقررت الإنتقام منه في شخص إسماعيل إبنه، وكان إسماعيل يأمل أن يجد الحنان والرعاية عن جدته، لكنه وجد إهمالا شديدا وقسوة في المعاملة، وتعددت المواقف القاسية في حياته عند جدته، وكان ينتهز أي فرصة تغيب فيها عن البيت ليخرج إلى الشارع ويجلس بجوار المقهى القريب ليستمع إلى الفونوغراف الذي يخرج أصواتا أبهرت إسماعيل الطفل ذو الثمان سنوات، فقد سحره صوت المطرب عبد اللطيف البنا وزكي مراد وسيد درويش وصالح عبد الحي والمطرب الجديد محمد عبد الوهاب، ومع ازدياد الفرص له في الإستماع حفظ إسماعيل كل تلك الأدوار الطربية وبدأ يغنيها لأقرانه الصغار الذين استحسنوا صوته ووصفوه بـ “الصييت”، ولم يكتف إسماعيل بذلك البصيص الذي أنار جزء من حياته وهو الغناء والطرب، بل سعى الطفل إلى حلقات الذكر وتلاوة القرآن ليسعد بأصوات المنشدين والقراء ليحفظ إسماعيل كل ذلك ويعيده كل يوم على مسامع الأطفال ويسعد بإلحاحهم في إعادة الغناء حتى تخيل إسماعيل نفسه مطربا وتمنى أن يسير على هذا النهج ليصبح كأحد كبار المطربين .. لكن أمنياته انهارت مع رفض الجدة للغناء وقررت عدم استكماله الدراسة وطلبت منه أن يبحث عن عمل، فعمل مناديا لمحلات بيع الأقمشة ليحفز المارة على الشراء.

من الجحيم إلى الجحيم

قرر إسماعيل أن يهجر بيت جدته القاسية وكان على أعتاب الشباب، ليلتقي مع والده بالصدفة في أحد الأفراح ويعود ليعيش معه، لكنه وجد مفاجأة أشد قسوة من معاملة الجدة، فقد وجد والده يقوم بتقليد وتزييف بعض القطع المعدنية من النقود، وبلهجة آمرة كان يطلب من إبنه إسماعيل ترويج تلك النقود واستبدالها بنقود حقيقة، وذلك من خلال التجول في كل الإحياء وشراء شئ بسيط من أحد التجار ليحصل منه على الباقي بعد أن يعطيه القطعة المزيفة .. فتأكد لإسماعيل بعد مجاراة والده وتوزيع بعض العملات أن ذلك الطريق نهايته السجن .. وبدأ في التفكير للخروج من ذلك المأزق بأن يستمع لنصيحة أصدقاءه بأن يترك السويس كلها ويذهب إلى القاهرة ليدرس الموسيقى ويحقق حلمه كي يصبح مطربا، ففكر في مواجهة والده بالأمر لكنه شعر بأن والده لن يوافق على ذلك، فاتخذ إسماعيل قراره بالسفر إلى القاهرة، وكان يلزمه عدة جنيهات للسفر ولتعينه أياما في القاهرة حتى يجد عملا، فذهب إلى جدته ولم يجدها بالبيت وظل ينتظرها طويلا لتأتي ويطلب منها الجنيهات كقرض أو سلف، لكن مع تأخرها فتح إسماعيل دولابها وأخذ منه فقط ستة جنيهات ليبدأ بها حياته في القاهرة .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.