اختلاف المشاعر عبر المراحل العمرية
اختلاف المشاعر عبر المراحل العمرية
بقلم: د. رحاب أبو العزم
ماهية الحب في القرآن الكريم
من نعم الله إدراك ماهية الحب مع مختلف الأعمار حتى تصل إلينا الأربعون والخمسون؛ لنعلم أنها مراحل مختلفة من الحياة الزوجية، وندرك في المرحلتين ماهية جديدة للحب تحدث عنها قرآننا الكريم منذ أكثر من ١٤٠٠عام. فلقد تحدث القرآن الكريم عن مشاعر المودة والسكن والأنس والتراحم بين الزوجين ليؤكد أنها الأسمى والأبقى؛ فمع عِشرة السنين يرتقي القلب بعواطفه من مجرد نبضات تتسارع إبان نظرة من الحبيب إلى الإحساس بأنفاس الحبيب قبل أن تتلاقى، وإلى الوئام الصافي الذي لا تعكره تفاهة الأعمار الصغيرة، وإلى الحكمة في قراءة المشكلة قبل حدوثها والحكمة في علاجها قبل تفاقمها.
*القدرة على احتواء الطرف الآخر
ترشدنا السنة النبوية الشريفة إلى ماهية للحب لتشعرنا بانطلاق جديد وغريب وممتع؛ فعن أنس رضي الله عنه:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند السيدة عائشة رضي الله عنها، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام، قال: فضربت الأخرى بيد الخادم فكسرت القصعة نصفين، قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: غارت أمكم، قال: وأخذ الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى فجعل فيها الطعام، ثم قال: كلوا فأكلوا) لم يصرخ ولم يغضب ولم يُقبح ولم يهين صلى الله عليه وسلم بل أكد بحكمته كزوج على غيرة الزوجة. وعن السيدة عائشة رضي الله عنها تقول: يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً إلى البقيع قالت: فأذهب خلفه وأنظر ماذا يفعل ودخل المقبرة، ثم رجع، فرجعتُ، فهرول فهرولتُ ودخلتُ البيت وسبقته فدخلتُ تحت اللحاف وغطيتُ نفسي، فدخل عليه الصلاة والسلام فجلس عندها فاستمع إليها تتنفس بسرعة، قال: ( ما شأنك يا عائشة ؟ قلت: لا شيء يا رسول الله قال: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قالت: يا رسول الله! كنت خلفك، قال: أما إنك كنت السواد الذي رأيته؟ قالت: بلى يا رسول الله! أنا السواد، قال: يا عائشة أخفت أن يحيف الله عليك ورسوله، يا عائشة أتاني جبريل وخشي أن يدخل عليك وأنتِ على غير حجاب فخرجتُ فكلمني وقال لي: إن الله يأمرك أن تذهب إلى أهل البقيع فتستغفر لهم، فذهبت فاستغفرت لهم ). لقد أعلمها بسبب خروجه، وهدأها ولم يعنفها على مراقبتها له بل راعى بحكمته كرجل وبوعيه لخلق زوجته وخبرته بطبيعة الغيرة عند الأنثى.
*جديد الحب في الخمسين*
لذلك ففي الأربعين والخمسين وبعد سنوات من الحياة بين الشريكين يظهر الحب بثوبه الجديد؛ يظهر وهو يرتدي عباءة السكن والمودة والرحمة ليس هذا الحب الذي يتغزل الحبيب في محبوبته وإن اصابها جرح أو حرق يأنف منها..حينما نختار شريكًا للحياة في الخمسين يكون الاختيار مختلفًا إلى حد ما عن اختيارات العشرين؛ حيث إننا في الخمسين نختار من يعطينا السكن، ويمد القلب بالتراحم، ومن يُلبِس روحنا رداء الهدوء والأمان، ومن نشتاق إلى عِشرته لتلطفه وكرمه العاطفي والمادي؛ فالخمسين لا يحتاج إلى أغنية عبد الحليم بقدر ما يحتاج إلى ونس نحكي معه والقلب هادئ السكينة، إلى شريك ملاصق متوافق يشعر ويتجاوب بدون شرح مفصل. إن بعد الخمسين يقل الكلام ويسمو الموقف والفعل مع استمرار الانطلاق سويًا إلى عالم المرح والحيوية؛ فلكل مرحلة احتياجات ومتطلبات تختلف باختلاف العمر والفكر ودقات القلب.
