فراق سيد الأحباء

فراق سيد الأحباء

 بقلم د. رحاب أبو العزم

صاحب السيرة الطيبة

مرت ستة وثلاثون عامًا على فراق سيد الأحباء، وكأن لحظة الفراق فرضت نفسها منذ ساعات؛ عمر طويل، وسنوات عديدة، وتغيرات عميقة، وتقلبات مفاجئة، وأحداث جسام؛ ست وثلاثون سنة افترقنا وتفرقنا عبر الأراضي والبلدان، وشق كل منا حياته؛ تارة تعجبه الخطوات، وتارة تفرض عليه الحياة صدماتها، وتارة يفرح وتارة يسعد، واختلف طريق كل منا، واختلف تفكير كل منا، ويبقى وسيبقى القاسم المشترك هو سيرتُكَ الطيبة؛ أبتاه: إن القلب يطير فرحًا حينما أسمع سيرتك وقد تلفظت بها الألسنة بكل خير، ونبضت بها القلوب بجميل العرفان والمعروف.

الرجل الطبيب الإنسان

وفي وسط سعادة القلب بسيرتكَ الطيبة يحزن ويشتد حزنه حينما يبحث عن صاحب السيرة الطيبة ولا يجده، يبحث عن ذاك الأب الذي طالت يده الحنونة عنان السماء، ذاك الأب الذي عمت تضحياته مواقفه، والذي ذاع صيته في عالم الرجولة والمروءة، ذاك الأب الذي تعلمت منه الرجال كيف هي مواقف الرجل الإنسان، وكيف الطبيب الإنسان؛ فأحبه البسطاء قبل الأقوياء… أبتاه: يحتار الفؤاد -بعد موتك- إلى من يجري ليسكب لديه العبرات، وتتلاشى بين أحضانه قسوة السنوات، ويحتار العقل ممن يأخذ المشورة وقد بات أغلب مَن حولنا وقد شاخت قوته وتبلدت مشاعره.

ذكريات عميقة

أتذكر حينما يأتي إليك الأهل يستلهمون منك المشورة، وأتذكر حياتهم وقد سعدوا بها بعد فلاح مشورتك، وتمنيتُ ألو هاجمتنا جميعًا جيناتك الوراثية كي يستلهمون منا الرأي والسداد. أتذكر تلك الوجوه الطيبة والأجساد المريضة التي أحاطت بك تأمل في علاجك لها وهي غير قادرة على ثمن العلاج؛ فأراك لا تألو جهدًا في تطبيب المريض، وتقديم الدواء بلا أي مقابل، أتذكر تلك الدعوات الصادقة التي خرجت لك من قلوبهم قبل أفواههم. وأرى تلك الدعوات وقد استجيبت في بقاء سيرتك الطيبة رغم مرور أكثر من ثلاثين عامًا.

لا بديل عنك أبتاه

إنك الحب الوحيد الذي لن أندم عليه، ومعطف الأمان في التغيرات والتقلبات، وأنت بئر العطاء الذي لم يمنحني كل ما أتمناه فالعمر كان أقصر من العطاء، لكنه منحني كل ما يملك، إنك القامة الأبوية العالية التي ظننتُ لها البديل وخانني ظني، فآمنتُ أنه لا بديل؛ لا بديل عن الزوج الذي أعلى من قدر زوجته علوًا فاق كل التوقعات، لا بديل عن الأخ الذي ضحى بالكثير لرقي شأن إخوانه وأخواته، لا بديل عن الصديق الذي ساند أصدقاءه وقت أزماتهم، لا بديل عن الطبيب الذي لم يتاجر بمهنته، لا بديل عن الإنسان الذي تعاطف وساند كل محتاج، لا بديل عن الأب الذي علمني القراءة والكتابة وفعل الخير لأكتب إلى كل أب: فكر جيدًا قبل ارتكاب أي خطأ يحطم مرآتك، ويسقط صورتك في قلب أبنائك وبناتك، وأكتب إلى أبي: ستظل الحب الذي يحكيه دعائي لربي لك بالرحمة والمغفرة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.