قصة نشأة النحو العربي
بقلم سوزان الأسعد
كانت العرب في الجاهليّة تتحدّث العربيّة سليقة لا تلحن فيها ولا تخطئ، وكانت اللغة العربيّة ملكاً للعرب وحدهم، فلمّا منّ الله تعالى على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً، صارت اللغة العربية ملكاً لكلّ مسلم، والمسلم آنذاك كان إمّا عربيّاً أو عجميّاً، فصاروا بالإسلام أمّة واحدة، ذات دين واحد، وكتاب واحد، ولم يبق إلا الّلسان فكان لسانين : لساناً عربياً ولساناً أعجمياً، فلما اختلط المسلون بعضهم ببعض – عربيهم بعجميهم – في المساجد والأسواق والمصاهرة، فمن حينئذ ظهر اللحن في لسان العربيّ، بل كان لحنه في كتاب الله تعالى أشدّ إزراءً بلسانه من لحنه في كلام الناس، فلزم إزاء ذلك أن يكافَح الّلحن، فظهر علم النّحو، فصار النّاس فريقين: فريق يتحدث العربية سليقة، وفريق يتحدثها تطبيقاً للقياس، فكان الذين يتحدثونها سليقة يتفاخرون على من يتحدثونها قياساً، حتى ليقول قائلهم:
ولست بنحويّ يلوك لسانه ولكنْ سليقيٌّ أقول فأعرب
• ظهور المشكلة :
المشكلة التي أسفرتْ عنها مخالطة العرب للعجم هي تطرق الّلحن إلى اللسان العربي، فظهر اللحن في كلامهم بل وفي تلاوتهم لكتاب ربهم – عزّ وجلّ – فمن اللحن في كلامهم:
1- ما روي أنّ أبا الأسود الدؤلي ( ت 69 هـ ) كان واقفاً ذات ليلة مع ابنته في شرفة الدار، فنظرت ابنته إلى السماء فأعجبتها نجومها، فقالت متعجبةً : يا أبت ما أجملُ السماءِ! فلما سمعها أبوها قد رفعت (أجملُ)، ظنها تسأل، فأجابها قائلاً : أي بنية، نجومها.
فقالت: لم أسأل وإنما تعجبتُ.
فقال: إذن قولي : ( ما أجملَ السماءَ)، وافتح فاك.
2- وأما اللحن الذي سمع في كتاب الله تعالى، فهو ما يروى أن قارئاً قرأ قوله تعالى: (أَنّ الله بريء من المشركين ورسولُه)، فكسر اللام، من (رسوله) وهي في الآية بضم اللام، والفرق في المعنى كبير جداً بين ضم اللام وكسرها، أقول : إنّ الفرق كبيرٌ جداً، بل لو تعمده القارئ لكان في حقه كفرٌ، وذلك أن معنى الآية : أنّ الله ورسوله بريئان من المشركين، ولكن من يلحن في الآية، يجعل معناها أن الله قد تبرأ من المشركين ومن رسوله، ولذلك غضب عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لما بلغه هذا اللحن، وقال : لا يُقرئ القرآن إلا من يحسن العربية . [صبح الأعشى 1 / 206].
3- وقرأ آخر قوله تعالى : ( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) ، وهي بنصب لفظ الجلالة اللهَ)، ورفع (العلماءُ)، ولكن القارئ ( رفع لفظ الجلالة) و (نصب العلماء)، فقيل له : يا هذا، إن الله تعالى لا يخشى أحدا، فتنبه لذلك وتفطن له. [صبح الأعشى 1 / 206].
• إيجاد الحلّ:
كان الحلّ والمخرج من الوقوع في الّلحن، هو إنشاء علم يقعّد للكلام العربي كله، ويبيّن إعرابه في كل موقع، فانبرى لهذه المهمة أمير المؤمنين علي – رضي الله عنه –فاستنبط أن الكلام كله إما اسم وإما فعل وإما حرف معنى، فأحضر أبا الأسود الدؤلي، وقال له : إن الكلام كله : اسم وفعل وحرف، انح هذا النحو يا أبا الأسود، فكان هذا أمراً وتوجيهاً لأبي الأسود بوضع علم النحو، ومن ثَمّ طفق أبو الأسود (ت69هـ)، يضع أبواب النحو مبتدئاً (بباب التعجب) ثم وضع باب (إن وأخواتها)، ثم وضع معظم الأبواب.