الأشياء الجميله تعيش في داخلنا وليست في الأحداث من حولنا ….

الأشياء الجميلة تعيش في داخلنا وليست في الأحداث من حولنا ….

بقلم/إيمان سامى عباس 

الإنسان كائن اجتماعى بطبعه، يميل إلى مخالطة الناس وإقامة العلاقات معهم؛ علاقات تتفاوت قوة وضعفًا، ألفةً ونفورًا؛ والإنسان الذكى هو الذى ينسج علاقات الاجتماعية على مهل فلا تخدعه المظاهر ولا تغره الشكليات ف الأشياء الجميلة تعيش في داخلنا وليست في الأحداث من حولنا ؛ فليس كل ما يلمع ذهبًا ورب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبرَّه.. يقول النبى الكريم «صلى الله عليه وسلم» « إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أمولكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ؛ فالقلوب أساس الأعمال مصحوبة بالنيات التى هى البوصلة الحقيقية للإنسان فى الحياة؛ وما بين النية والعمل تمضى حياة المرء خيرًا أو شرًا.. وعلى نياتكم ترزقون ..فأحسنوا النية.

لا ننسى أن خيركم من طال عمره وحسن عمله؛ فالسيرة أطول من الأجل.. وهذا ما أكد عليه أمير الشعراء بقوله: فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها..فالذكرُ للإنسان عمرٌ ثانٍ.

فكم عاش أناس سنين جاوزت المائة لكنهم خرجوا من الدنيا بلا أثر ولا عمل صالح يخلد ذكراهم..وعلى النقيض هناك من عاش سنوات قليلة لكنه نجح فى صنع أمجاد تخلد ذكره فى الحياة وتبقيه حيًا فى الذاكرة الإنسانية.. انظروا مثلاً إلى الزعيم الوطنى النبيل مصطفى كامل الذى مات فى ريعان شبابه لكنه ترك أعمالاً وطنية مشرفة وسجلاً تقرأ فيه أسمى آيات النضال الوطنى الذى ألهب مشاعر المصريين وحرّضهم على التحرر من الاستعمار البريطانى الذى جثم على صدور المصريين عقودًا طويلة نهب فيه مقدراتهم، وأضاع عليهم فرص التقدم والتنمية..وانظروا إلى الشاعر التونسى أبى القاسم الشابى الذى رحل عن الدنيا بجسده فى ريعان شبابه لكنه عاش بأشعاره التى حملت معانى إنسانية عميقة وخالدة وترك لنا أشعارًا تفيض بمعانى العزة والنبل والشرف والتحرر وترفض كل محاولة للاستغلال والعبودية..فمن ينسى قوله: إذا الشعب يومًا أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر..ولا بد لليل أن ينجلى ..ولابد للقيد أن ينكسر.

هكذا هم الخالدون إنسانيًا.. بشرٌ فوق العادة عاشوا لأجل قضية كبرى ولم ينشغلوا بأنفسهم وملذاتهم وغرائزهم وخلافاتهم ولم يقعوا فى شراك أعداء النجاح الذين ينشطون بكثرة فى كل زمان ومكان.. انظروا إلى سجل العلماء ومواقفهم الخالدة التى تنطق بحقيقة لا يأتيها الشك من بين يديها ولا من خلفها؛ وهى أن الناس موتى وأهل العلم أحياء.

العلاقات الاجتماعية الناجحة لا تقاس بطول العشرة، إنما تُقاس بجميل الأثر ومكارم الأخلاق.. فكم من تعارف قصير المدى لكنه بجماله وهدوئه كان أعمق وأنقى من علاقات طالت دون فائدة بل ربما خلق طول الأمد مع سوء المعاملة نوعًا من الملل والسآمة والتنافر والحقد والضغائن.. فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ..وخير ما يأسر القلوب كلمة طيبة أوهدية بسيطة غير متكلفة، تؤلف بين القلوب، وهو ما دعانا إليه سيد الخلق بقوله « تهادوا تحابوا».. الهدية عطاء عن طيب خاطر، وبذلٌ يبنى جسور المودة ويقوى روابط المحبة والألفة بين المتحابين، فهى تجبر الخاطر وتترجم مشاعر الحب إلى عطاء ملموس يعكس قدر المُهْدَى إليه فى قلب المُهْدِي.

العلاقات الناجحة يلزمها تفهم وإعذار والبعد عن كثرة العتاب والملام؛ فكثرة اللوم تميت الحب، وتزيد الخلافات اتساعاً؛ ومن ثم فكما تترك بعض الأطعمة تبرد قليلا ليسهل عليك أكلها ، فاترك بعض «الخلافات» تهدأ قليلاً لـيسهل عليك حلها.. وهنا تحضرنى مقولة ذهبية مفادها «أن كسب القلوب أولى من كسب المواقف».. فماذا يضيرك لو تنازلت لمن تحب عن موقف هنا تكون كسبته هو وخسرت الموقف؛ فأيهما أحب إلى قلبك، وأيهما أفضل وأكثر نفعاً.. ومع الوقت سيعرف من خسرت لأجله هذا الموقف أنك طلبت رضاه وجاهدت للحفاظ عليه ساعتها ستكسب قلبه وصداقته.. وهكذا يتأكد أن بعض التغافل فطنة.. فلن تجد إنساناً كاملاً بل النقص شيمة البشر.

الأشياء الجميلة تعيش فى داخلنا وليست فيِ الأحداث من حولنا.. وعندما تمتلك عيناً جميلة فسوف ترى كل شيء جميلا ، وعندما تمتلك نفساً راضية سترضى ولو بالقليل.. ولا أجد أبلغ مما قاله الشاعر إيليا أبو ماضي:

أَيُّهَذا الشاكى وَما بِكَ داءٌ كَيفَ تَغدو إِذا غَدَوتَ عَليلا.

إِنَّ شَرَّ الجُناةِ فى الأَرضِ نَفسٌ تَتَوَقّى قَبلَ الرَحيلِ الرَحيلا

وَتَرى الشَوكَ فى الوُرودِ وَتَعمى أَن تَرى فَوقَها النَدى إِكليلا

من يمد يده لك بالسلام فامدد يدك وأشدد على يديه فالله تعالى يقول فى كتابه الكريم: «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا» «النساء: 86»

من بادرك بالود والاهتمام فلا تهمله لأن هذه النوعية من القلوب نادرة بل إنها توشك على الانقراضً..واعلم أنه لا راحة فى الدنيا؛ فالراحة كَالسراب كلما اقتربنا منها ابتعدت ولن نصل إليها إلا فى الجنة.. فـلنترك الراحة ولنبحث عن الجنة.. فالله تعالى يقول: «لقد خلقنا الإنسان فى كبد».

حلاوة اللسان هى ترجمة لحلاوة الروح.. وعند الحوار لا ترفع صوتك بل ارتفع بمستوى كلماتك ولغة خطابك، فالمرء مخبوء تحت لسانه إذا تحدث ظهرت عيوبه، واحذر أن تتكلم بما لا تعرف؛ فخير للمرء أن يتهم بالجهل وهو صامت من أن يتحدث ويثبت ذلك، فأعذب الناس من يمر فى حياتنا ويترك خلفه ذكرى جميلة وكلمات طيبة.. ونردد مع الشاعر قوله: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم.. فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان..!

نحن بشر خلقنا الله مختلفين يقول الله تعالي: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ «هود:118».

الله تعالى خلقنا مختلفين فى اللغة ولون البشرة والعرق والدين والطباع؛ فلماذا لا نقبل بالاختلاف فيما بيننا ولو فى الرأي؛ رغم أنه حقيقة واقعة لا ينكرها عاقل؛ بل لا أبالغ إذا قلت إننا بحاجة للخلافات أحيانًا لمعرفة ما يخفيه الآخرون فى قلوبهم، فقد تجد ما يجعلك فى ذهول، وقد تجد من تنحنى لتقبيل رأسه احتراما وامتنانًا، فالمواقف خريف العلاقات معها تتساقط العلاقات التى ضربتها الشيخوخة كالأوراق المعطوبة تتساقط مع أقل هبوب للرياح..

لا تندم على نية صادقة منحتها ذات يوم لأحد لم يقدرها، بل افتخر أنك كنت ومازلت إنساناً يحمل قلباً طيباً بين أناس لا يفقون.. يقول الإمام على كرّم الله وجهه: «اصنع المعروف فى أهله وفى غير أهله، فإن صادف أهله فهو أهله، وإن لم يصادف أهله فأنت أهله».

إذا تذكرت شخصاً وأنت وحدك فتبسمت فاعلم أن بينكما محبة صادقة، فلا تبخل بأن تخبره بها حتى يؤلف الله بينكما؛ يقول رسولنا الكريم «صلى الله عليه وسلم»: «إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ» رواه أبو داود.

وجاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه: « أَنَّ رَجُلاً كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّى لَأُحِبُّ هَذَا ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»: أَعْلَمْتَهُ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : أَعْلِمْهُ . قَالَ: فَلَحِقَهُ فَقَالَ: «إِنِّى أُحِبُّكَ فِى اللَّهِ . فَقَالَ : أَحَبَّكَ الَّذِى أَحْبَبْتَنِى لَهُ».

الحديث مع الناس كالخياطة فأنت الخياط وكلامك الإبرة إن أحسنت الخياطة. صنعت ثوباً جذاباً غاليا وإن أخطأت لن تجرح إلا نفسك..فكل ما تصنعه راجع إليك فأحسن إلى نفسك.

لا تكثر من الشكوى فيأتيك الهم ، لكن أكثر من الحمدلله تأتيك السعادة.. ومهما اختفت من حياتك أمور ظننت أنها سبب سعادتك ، تأكد أن الله صرفها عنك قبل أن تكون سبباً فى تعاستك.. وحتى مع غياب من نحب رغم أنه أصعب على النفس؛ لكنه مع امتصاص الصدمة يصبح كغياب اللون عن الصورة، هو لا يفقدنا الحياة ، إنما يفقدنا طعم الحياة؛ فاصبر فإن الله قادر على جبر خاطرك.

القلوب الطيبة أغلى من «الذهب» فهى لا تصدأ أبداً حتى لو أنهكها التعب.. مجرد مسحها بكلمة جميلة يظهر بريقها مرة أخري!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.