حياتنا أوراق تتساقط…..!!

حياتنا أوراق تتساقط…..!!

بقلم / إيمان سامي عباس

حين تتأمل حياتك ستجد أنها مجموعة أوراق تتساقط الواحدة تلو الأخري..فحين تولد يسارعون باستخراج شهادة ميلادك، ثم شهادة التطعيم، وحين تلتحق بالتعليم تتوج مشوار كفاحك ونجاحك بورقة هى شهادة «التخرج».. لتكون جواز مرورك للحياة العملية.

وتتوالى الأوراق ..عقد الزواج ورقــــــــة.. جواز السفر ورقــــــــة.. عقد الشقة أو البيت أوالسيارة ورقة.. حسن السير والسلوك ورقـــــة..روشتة العلاج ورقــــــــة.. والدعوة للمناسبات ورقــة.

وتمضى حياتنا لتتساقط ورقة بعد ورقة .. كل يوم ينقضى من حياتنا هو ورقة تسقط من شجرة العمر.. تطويها الأيام .. وتمزقها .. ثم ترميها.. وكم يحزن الإنسان لورقة .. وكم يفرح لـــــــورقة ..لكن الورقة الوحيدة التى لا يمكن للإنسان أن يراها هى شهادة وفاته ..فهل استعددت لتلك اللحظة ..وهل أعددت الزاد والراحلة لسفر طويل لا يعلم إلا الله وحده متى يبدأ ومتى ينتهي.

أما الوفاة فهى بداية للحياة الآخرة؛ وهى الحياة الحقيقية كما وصفها رب العزة سبحانه ..يقول تعالي:» وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ««العنكبوت:64» ..المهم ما سوف تجده مكتوبًا فى سجل أعمالك أو فى كتابك الذى ستلقاه يوم القيامة ..وهو إما تتلقاه بيمينك أو بشمالك..يقول الله تعالي:» وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا» «الكهف:49»..ويقول الله تعالي: «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ» «آل عمران:30».

فإذا أخذت كتابك، أى صحيفة أعمالك باليمين فأبشر وافرح بما قدمت يداك..أما إذا أسأت وطغيت وضيعت وفرطت فلا تلومنّ إلا نفسك يقول الله تعالى : «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّى ظَنَنتُ أَنِّى مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ «الحاقة:19-24»..أما أهل الشِمال فيقول الله فيهم:» أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّى مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّى سُلْطَانِيَهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ»»الحاقة:25-30».

ما يحدد مكانك ومكانتك بعد موتك هو عملك، فإن كان صالحًا ينفع البلاد والعباد فهو فى ميزان حسناتك..أما إن كان إضرارًا وإفسادًا فى الحياة فسيكون وبالاً على صاحبه..فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها..فالذكر للإنسان عمرٌ ثانٍ.

وكل شخص فى الحياة إن كان صادقًا مع نفسه، يحاسبها ويراجعها ولا يتمادى فى غيها يمكنه أن يعرف مكانه ومكانته بعد موته بل إن ثمة شواهد فى الدنيا يعرفها أهل الفضل؛ فإذا إردت أن تعرف مكانك فانظر أين أقامك..لكن المهم هو الاستقامة على طول الخط دون رياء ولا سمعة، وعدم الاغترار بالعمل؛ فالفيصل هو حسن الخاتمة..والأمر كله معقود على النيات والإخلاص.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:» فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ…» وهذا فى حق من لا يعمل إخلاصا وإيمانا ، بل يعمل بعمل أهل الجنة» فيما يبدو للناس « فقط..أى ينافق ويمارى فى عمله.

وعمر الإنسان يتفاوت، لكن أعظمه بلاشك هو مرحلة الشباب، وفيه يقول رسولنا الكريم عن الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله :»وشاب نشأ فى طاعةا لله»..ويقول الإمام على بن أبى طالب كرّم الله وجهه: «أمران لا يدومان للمؤمن؛ شبابه وقوته.. وأمران ينفعان كل مؤمن :» حسن الخلق وسماحة النفس.

 وأمران يرفعان شأن المؤمن : « التواضع وقضاء حوائج الناس «..وأمران يدفعان البلاء :» الصدقة وصلة الأرحام «

إذا لم تحدد هدفك فى الحياة فسوف تظل تبحث عن «عنقاء» لا وجود لها، فالسعادة فى الرضا والرضا فى القناعة.. والحياة مراحل تفضى إحداها إلى الأخرى وفى كل مرحلة نتعجل بلوغ الأخري؛ ففى الطفولة نحلم بأن نصبح كبارًا ونتصرف مثل الكبار، وفى سن المراهقة، نملك الوقت والطاقة والأهم نملك الحلم باتساع العالم..لكن ربما لا نملك المال الذى يساعدنا فى تحقيق الأحلام، وفى الشباب ربما نجد العمل ونملك المال لكننا لا نملك الفراغ بل نصارع لامتلاك العالم وتمضى الحياة تلتهم محطات العمر حتى تجد نفسك فى مواجهة شيخوخة لا ترحم بما تنطوى عليه من ضعف وشيبة واحتياج نفسى لا يسند الإنسان فيه إلا ما قدم لنفسه فى شبابه وفتوته..هنا يحصد ما جناه..فحذارى أن تجور على شبابك وتذهب فيه طاقتك ومواردك كلها دون أن تبقى لشيخوختك شيئًا يعينك على احتمال الحياة التى قد تمنحك شيئًا لكنها حتما تسلب منك أشياء..فمن جار على شبابه جارت عليه شيخوخته.

أما أهم أسلحتك فى الحياة، أن تتحلى بالرضا، وألا تنظر لما فى يد غيرك ..يقول الله تعالى :» لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَي» «طه:131».

وتلك قسمة الأرزاق التى قسمها الله تعالى بين عباده ..يقول الله تعالي» أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ?وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» «الزخرف:32».

فاحذر أن تغتر بما منحك الله من مال أو صحة أو أولاد .. واحذر أن تسخط لما مُنع عنك من زينة الحياة الدنيا وزخرفها ..ولا تعتقد بأن حياة الآخرين هى أفضل من حياتك ..فهنا يكمن الخطر ويولد الحسد والكراهية والتمرد على الحياة والفشل..فالشيطان يسكن فى التفاصيل دائمًا..والتفاصيل هنا وساوس وأوهام تدور فى النفس ..فإذا أردت أن تعرف نعمة الله عليك حقًا فاذهب للمستشفيات وانظر لحالة المرضى الذين يحلمون بأن يستردوا عافيتهم مقابل كل أموال الدنيا..لتدرك أن الرضا بالمقسوم عبادة وراحة للقلب..فابحث عن سعادتك فى نفسك..»وفى أنفسكم أفلا تبصرون»..ولعل ما يحدث حولنا اليوم فى غزة من دمار وقتل وحرب إبادة بحق أشقائنا لأكبر دليل على أن نعمة الأمن لا تعدلها نعمة..يقول رسولنا الكريم:» مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِى سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِى جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»..تلك نعمة كبرى ينلغى ألا تنسيك أيضاً قول النبى صلى الله عليه وسلم:» ما آمن بى من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به»..فانظر إلى جيرانك وتفقد أحوالهم فربما كانوا فى أشد الحاجة إليك، وربما يكون ذلك العمل سبيلاً لسعادتك فى الدنيا والآخرة..وحق الجيرة للأفراد كما للشعوب والدول..فلا تحرم جيرانك من عونك الصادق ومحبتك ودعمك..فقد قال الرسول الكريم» ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».

الرضا لا يتحقق إلا بالقناعة، والقناعة لا تتحق إلا إذا أبصرت حقيقة الدنيا ..تلك العرَض الزائل التى لو كانت تساوى عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.