دروس وعبر مع ركن الإسلام الأعظم الحج

دروس وعبر مع ركن الإسلام الأعظم الحج

بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

نقف مع بعض الدروس والعبر التي نتعلمها في مدرسة الحج، وإن شئت فقل جامعة الحج ولسنا نقصد الحصر ولا العد إنما هي إشارات وإضاءات تبين روح الإسلام وعظمته.

دروس وعبر

1. الوحدة والاجتماع واتحاد الصف:

ما أعظم هذه المعاني وضرورتها ودورها في نهضة الأمة وهي واضحة جلية في شعيرة الحج، فالمسلمون يقدمون من كل مكان على الأرض مختلفون في بلدانهم وألوانهم ولغاتهم وأسمائهم، لكنهم اجتمعوا واتحدوا وتوافقوا زمانًا ومكانًا ظاهرًا وباطنًا في الحج، وهم مع ذلك اتحدوا باطنًا بحيث لو سألت أي حاج لِمَ قدمت إلى الحج؟ لَما تردد وأجابك بأنه قدم طاعة لله عز وجل وطمعًا في عفوه ورحمته، والله تعالى يقول:

{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة:من الآية199].

لتكون أفعال الحج واحدة ومظاهر الوحدة والاجتماع بين الحجاج في المناسك ظاهرة لا حاجة لتفصيلها، إذن لو لم يكن في الحج إلا هذه الفائدة هذا الدرس نتعلمه ونرجع به إلى أوطاننا لكفى والله ولكان له الأثر الواضح والنقلة النوعية نحو سمو الأمة الإسلامية وعزها.

دروس وعبر

2. تنظيم الوقت والالتزام بالموعد:

وهذا درس آخر من دروس الحج، فارتباط مناسك الحج بالوقت ارتباط وثيق يدل على أهمية الوقت والحرص على الزمان، ويظهر ذلك من خلال تأمل تحديد الشارع زمان كل منسك من مناسك الحج كالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة، والنفرة منها إلى منى، ورمي جمرة العقبة، وتحديد زمان بداية رمي الجمار أيام التشريق بعد الزوال، وكذا كون الحج في وقت محدد من العام لا يقبل قبل ذلك ولا بعده إلى غير ذلك مما يرشدنا وينبهنا للاهتمام بالوقت، فالوقت هو الحياة وهو رأس المال الذي يلزم المسلم الحفاظ عليه من أن يقضى فيما لا نفع ولا ثمرة فيه ولا مصلحة دينية أو دنيوية فضلًا عن أن يبذل هذا الوقت فيما حرمه الله عز وجل.

3. تيسيرًا لا تعسيرًا:

اليسر والسهولة ورفع المشقة سمة من سمات دين الإسلام، وتظهر صور ذلك بينة في الحج.

ففي الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما وقف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه.

قال: فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدّم ولا أخّر إلا قال: افعل ولا حرج،

وكذلك الرخصة لذوي الأعذار كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، والإذن للضعفة من النساء والصبيان بالإفاضة من مزدلفة ليلًا ورمي جمرة العقبة قبل وقتها، وغير ذلك من شواهد التيسير والبعد عن التعسير على الحجاج، بل إن التخيير عند الأمر فيه من التيسير والتسهيل الشيء الكبير، فأنت مخير في حجك بين التمتع والقران والإفراد، ومخير بين الحلق والتقصير، ثم أنت مخير في التعجل أو التأخر نهاية الحج، ولا شك أن هذا درس عظيم لكل داعية ومربٍ ومعلم وكل مسلم في اتباع التيسير والتخفيف لا التعسير والعنت والمشقة على الآخرين عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم:

«يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا»

(صحيح البخاري).

دروس وعبر

4. ذاتية التربية والمراقبة ولزوم التقوى:

إن من أوضح ما يراه من يتأمل في الحج ذلك التنظيم الدقيق وإلزام الحاج بالانضباط والجدية، فمن بداية رحلة الحج المباركة إلى نهايتها نجد حدودًا واضحة مكانية وزمانية، فالحدود المكانية هي مواقيت الحج المحددة التي لا يجوز تجاوزها لمن أراد الحج من غير أهل مكة، وكذلك أماكن الطواف والسعي وغيرها، أما الحدود الزمانية مما حدد من المناسك بوقت معين كالوقوف بعرفة والخروج منها والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار وغير ذلك، ومن التنظيم الملاحظ في الحج إلزام الجميع لباسًا واحدًا له صفة معينة، وكذا بيان المحظورات التي تخل بالإحرام.

كل هذه حدود من الشارع عز وجل

{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:من الآية229]،

وقال تعالى:

{وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}

[الطلاق:من الآية1]

وبوب البخاري في كتاب الحج “باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند الإفاضة وإشارته إليهم بالسوط وفيه أنه لما دفع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة سمع من ورائه زجرًا شديدًا وضربًا وصوتًا للإبل فأشار بسوطه إليهم.

وقال: «أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع»أي الإسراع

فانظر إلى هذه المعاني العظيمة التي يُربى عليها المسلم في الحج من حب النظام والانضباط وتقوية روح الجدية فيرجع المسلمون إلى أهليهم بهذه المعاني التربوية القيمة.

دروس وعبر

5. التنظيم والانضباط والجدية:

هذه المعاني نجدها متمثلة في مشاعر الحج، بل إن الله تعالى أمر بالتقوى في سياق آيات الحج، فقال تعالى:

{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:من الآية197].

مما يحمل المسلم الحاج على مراقبة الله العظيم مراقبة ذاتية داخلية من قبل النفس فكل عمل يعمله يعلمه الله وقد نهاه الله عز وجل عن الرفث والفسوق والجدال تربية وتهذيبًا لسلوكه

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [البقرة:من الآية197].

فمن بداية الحج إلى تمامه والمسلم يراقب الله تعالى ويلزم التقوى فيكون قصده لله وحجه وحبه ورجاؤه وخوفه وذله ودعاؤه وتضرعه كله لله تعالى فإذا لبس إحرامه جعل من ذاته رقيبًا ينبهه ويذكره علم الله واطلاعه فلا يقترب من محظورات الإحرام، وإن وقع منه خطأ فإنه يكفر عن هذا المحظور بما ورد والله أعلم به، وإن كان في الطواف ووقع شيء من الزحام مع هذه الألوف من الرجال والنساء فيراقب بصره عن رؤية ما لا يحل له وينأَ بنفسه عن الحرام ويحفظ قلبه وسمعه وبصره ولسانه في الحج حفاظًا على نسكه وطمعًا في قبول عبادته، وهكذا في كل مناسك الحج، وفي ذلك كما لا يخفى تربية للنفس وارتقاء بها وتزكية وتطهير لها، وإنه –والله– لدرس ما أجَلّه وأعظمه لو تأمله واستفاد منه الحاج وعممه وطبقه على باقي حياته.

6. التآلف والتعارف بين المسلمين والعطف المتبادل:

ما أجمل الحج عندما تتعرف على أحد إخوانك المسلمين من بقاع الأرض الأخرى فتعرف أحواله وتحبه ويحبك، ثم أنت وإياه تساعدان وتعينان إخوانكم ويعطف بعضنا على بعض لا رابط يجمعنا لا نسب ولا وطن ولا تراب ولا مال ولا شيء إلا الإسلام، نعم هنا في أيام الحج تظهر أجمل وأردع معاني الأخوّة، ونكون كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم

«المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا» (صحيح البخاري).

وانظر إلى هذا الحديث في صحيح مسلم :

فعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء، فقال: «من القوم»؟ قالوا: المسلمون، فقالوا:من أنت؟ قال: «رسول الله» فرفعت إليه امرأة صبيًا، فقالت:ألهذا حج؟ قال: «نعم ولك أجر» .

فالحج تربية للتآلف والتعارف والتواد والتقارب بين المسلمين لا فضل بيننا إلا بالتقوى .

والله تعالى يقول في سورة الحج:

{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28].

وقال سبحانه:

{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}

[الحج:من الآية36]

نعم يعلّم الله عباده ويربي حجاج بيته أن يتساعدوا ويتعاونوا ويعطف بعضهم على بعض ويطعم الغني الفقير ويساعد القوي الضعيف لترسخ بعد ذلك معاني مهمة في التكاتف والتعاون.

7. تكريم المرأة وصيانتها:

المرأة، وما أدراك ما المرأة؟

اتخذها مَن في قلبه مرض طريقًا لمقاصدهم الضالة وسلمًا لأمنياتهم المشبوهة في إفساد المجتمع وتغريب الأمة فزعموا –جاهلين أو متجاهلين– ظلم المرأة وإهانتها وبخسها حقوقها وحريتها في المجتمع المسلم، وإنا نقول بأعلى الأصوات:

لا يوجد دين أو ملة أو قانون أعطى المرأة حقوقها وكرمها ورفعها وصانها إلا الإسلام ولا فخر، حتى تمنى بعض نساء الغرب أن يعشن حياة المرأة المسلمة في مكانتها وعفتها وسعادتها بتربية أبنائها وعزها بحجابها لما قاست المرأة الغربية الكافرة من ظلم وإهانة واحتقار .

وفي الحج صور متعددة من تكريم المرأة ورعايتها وصيانتها، فعندما قام ذلك الرجل، وقال: يا رسول الله اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجة؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«اذهب فحج مع امرأتك» (صحيح البخاري).

ولما لم يلزم الإسلام المرأة بالجهاد حفاظًا عليها وتقديرًا لضعفها أبدلها الله مكانه الحج والعمرة.

فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟

قال: «نعم عليهم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة» .

(رواه أحمد وابن ماجة).

وتأمل معي ما ورد في الحديث المتفق عليه أن عائشة رضي الله عنها قالت:

“دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: م «ا يبكيك يا هنتاه؟» قلت: سمعت قولك لأصحابك فمنعت العمرة. قال: «وما شأنك؟» قلت: لا أصلي. قال: «فلا يضيرك! إنما أنت امرأة من بنات آدم كتب الله عليك ما كتب عليهن فكوني في حجتك فعسى الله أن يرزقكيها».

أليس في هذا تكريم للمرأة وسؤال عن حالها وتطييب لخاطرها واهتمام بشؤونها ويا ليت قومي يعلمون هذا! ليتهم يدركون ما في الالتزام بمنهج الإسلام في التعامل مع المرأة ورعايتها في كنفه من حفاظ على أخلاقيات المجتمع وصيانة للأمة من كل أنواع الفساد الاجتماعي والتربوي والأخلاقي، الذي يعيشه العالم المادي اليوم ونراه عيانًا هنا وهناك.

8. التسامح والعفو وسلامة الصدر:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه» .

(رواه البخاري ومسلم .

وما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وفي هذا بيان عظم عفو الله ورحمته وكمال جوده وكرمه مع قاصدي حرمه وحجاج بيته وفي هذه الأيام المباركات تنزل الرحمات وتعظم البركات ويعفى عن السيئات من لدن الغفور الرحيم العفو الكريم البر الحليم

فهل نستفيد من الحج بأن نرجع متسامحين عافين عن الناس صدورنا سليمة قلوبنا طاهرة من كل غل على المسلمين، فأسامح جميع إخواني وأعفو عمن أساء إليّ، وأحمل خطأ الآخرين المحمل الحسن، وأطهر قلبي من أي حقد أو حسد أو ضغينة أو كراهية كل ذلك رجاءً وطمعًا في أن يغفر الله لي ويعفو عني وهو أرحم الراحمين و”إنما يرحم الله من عباده الرحماء.”

اقرأ المزيد

الحج بدون محرم للسعوديات | 2021 السماح للمرأة السعودية الحج بدون محرم

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.