جنرال مصر “الذهبي” في المعركة الأخيرة!

جنرال مصر “الذهبي” في المعركة الأخيرة!

فقدت مصر اثناء حرب الاستنزاف في 9 مارس عام 1969 جنرالها “الذهبي” عبد المنعم رياض، وكان في ذلك الوقت يتولى رئاسة أركان القوات المسلحة المصرية.

جنرال مصر “الذهبي”

 

عبد المنعم رياض كان جنرالا استثنائيا بتاريخ عسكري حافل، شارك في معارك الحرب العالمية الثانية عامي 1941 – 1942، وفي حرب عام 1948، وكان حاضرا في صد العدوان الثلاثي في عام 1956، وفي حرب الأيام الستة عام 1967، التي تولى فيها قيادة القوات الأردنية، ثم تولى أخيرا قيادة القوات المصرية في حرب الاستنزاف الشهيرة في عام 1969.

كان عبد المنعم رياض بالفعل رجل مهمات قيادية قتالية خاصة. وعلاوة على دوره المباشر في القيادة الميدانية على أرض المعارك، عمل في مجال التدريب والتعليم العسكري وفي ربط الاتصالات بالجيوش العربية.

حياة جنرال مصر “الذهبي”

ولد عبد المنعم رياض في 22 أكتوبر عام 1919 في مدينة طنطا بدلتا النيل، وكان والده محمد رياض ضابطا في الجيش برتية مقدم، ويعمل مدربا في الأكاديمية العسكرية الملكية في ذلك الوقت.

بفضل عمل والده في العريش في شبه جزيرة سيناء التي أرسل إليها في عام 1928، اكتسب عبد المنعم رياض منذ طفولته معرفة بتضاريس المنطقة، حتى أن المؤرخ العسكري المصري محمد الجوادي، وصفه بأنه أصبح في ذلك الحين “كشافا متمرسا” بالمنطقة.

في عام 1930، انتقلت أسرة عبد المنعم رياض إلى مدينة الإسكندرية بعد أن تم إرسال والده، الذي رُقي إلى رتبة عقيد إلى هناك.

في الإسكندرية تولى محمد رياض قيادة كتيبة المشاة 2، فيما التحق عبد المنعم رياض بالمدرسة الثانوية في المدينة وتخرج منها عام 1936، وانتسب إلى كلية طب قصر العيني بالقاهرة ودرس فصل الخريف فيها. وهناك شارك في احتجاجات طلابية تطالب بإنهاء النفوذ الاستعماري البريطاني في مصر.

في وقت لاحق في 6 أكتوبر من نفس العام، التحق عبد المنعم رياض بالأكاديمية العسكرية الملكية، على الرغم من اعتراض والدته، التي كانت تريد أن يصبح ابنها طبيبا.

في الأكاديمية العسكرية تعرف عبد المنعم رياض على جمال عبد الناصر وأنور السادات وسعد الدين الشاذلي وآخرين. وفي عام 1938، تخرج منها بامتياز وبمعرفة واسعة في مجال الأسلحة المضادة للطائرات، برتبة ملازم ثان، ثم انضم إلى مفرزة الدفاع الجوي المنشأة حديثا في الزمالك تحت قيادة نقيب بريطاني.

في تلك الفترة اكتسب المزيد من المعرفة بقذائف الأسلحة المضادة للجو، وأصبح على دراية بأنواع مختلفة من المدافع المضادة للطائرات، وبمبادئ مسار القذائف والحسابات الدقيقة لضرب الأهداف الجوية واتقن كذلك اللغة الإنجليزية.

حين اندلعت الحرب العالمية الثانية آواخر عام 1939، أرسل العديد من الضباط المصريين إلى خطوط المواجهة، بما في ذلك الملازم أول عبد المنعم رياض وكان حينها يتولى الإشراف على الجوانب الفنية للمدافع المصرية المضادة للطائرات في الإسكندرية.

عمل عبد المنعم رياض أيضا مدربا في مدرسة مدفعية بثكنات العباسية في القاهرة، وفي الغالب كان يرافق خريجيه بنفسه إلى الجبهة في الإسكندرية ويتولى قيادتهم.

كان عبد المنعم رياض خلال الحرب العالمية يحظى بإعجاب قيادته العليا، وكان من بين قلة مختارة درسوا في كلية الأركان العامة بالقاهرة، وحصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية في عام 1944. وفي نفس العام جرى تعيينه مدربا دائما للقتال المضاد للطائرات في العباسية.

في عام 1960 بعد ثورة يوليو تم تعيينه رئيسا لأركان سلاح المدفعية، وتولى في عام 1961 منصب نائب رئيس قسم العمليات برئاسة الأركان العسكرية ومستشار قيادة القوات الجوية للدفاع الجوي.

ترقى عبد المنعم رياض في المراتب العسكرية، وحصل في عام 1963 على رتبة لواء، واجتاز دورة خاصة في مدرسة المدفعية المضادة للطائرات النفاثة، فيما تولى في عام 1964 رئاسة أركان القيادة العربية المتحدة. وفي عام 1966، تمت ترقيته إلى رتبة فريق وحصل على منحة دراسية من المدرسة العسكرية العليا.

حاز عبد المنعم رياض أثناء خدمته العسكرية القيادية الطويلة على العديد من الميداليات والأوسمة، بما في ذلك أوسمة رفيعة من لبنان والأردن.

يوم 11 يونيو عام 1967، عين عبد المنعم رياض رئيسا لأركان القوات المسلحة المصرية وانكب مع محمد فوزي، وزير الدفاع المصري وقائد القوات المسلحة في ذلك الوقت على إعادة بناء وتنظيم الجيش.

قاد عبد المنعم رياض عمليات الهجوم المصري لتدمير خط بار ليف خلال حرب الاستنزاف، وبدأت المدفعية المصرية يوم السبت 8 مارس 1969 في العمل على طول خط المواجهة، وفي غضون ساعات تم تدمير قسم من مواقع خط بارليف في معارك عنيفة بالمدفعية.

هذا القائد العسكري المصري البارز، كان مع جنوده في خطوط النار. وصبيحة 9 مارس 1969، قرر عبد المنعم رياض تفقد الجبهة على الأرض لمعرفة نتائج معارك اليوم السابق. فتح الإسرائيليون النار وأصابت قذيفة هاون موقعا كان فيه فقتل مع عدد من مساعديه.

في ذلك اليوم الذي تضرجت فيه أرض المعركة بدماء عبد المنعم رياض، فتحت المدفعية المصرية نيرانها ودكت بقوة مواقع الجيش الإسرائيلي على طول حط قناة السويس.

ضربت قذائف المدفعية المصرية أهدافها بدقة، وما كان للجنود الإسرائيليين من مفر منها إلى في مخابئ عميقة بنيت بالخرسانية المسلحة.

في وقت لاحق، وتحت غطاء نيران المدفعية المصرية خرجت من بور توفيق بالسويس سرية من القوات المصرية الخاصة تتكون من 100 ضابط وجندي، وعبرت بقوارب مطاطية إلى الجانب الإسرائيلي، ونفذت أول عملية اقتحام نهارية للمواقع العسكرية الإسرائيلية في تلك الحرب.

بعد نزول قوة الكوماندوز المصرية إلى الضفة الأخرى من قناة السويس، انقسمت إلى عدة مجموعات، وقامت بمهاجمة تجمع للدبابات الإسرائيلية قرب معقل إسرائيلي محصن.

منذ الدقائق الأولى لهذه المعركة، نجحت القوات الخاصة المصرية في تدمير دبابتين إسرائيليتين بطواقمها، وحين خرج أحد افراد دبابة إسرائيلية بعد احتراقها، قام الجنود المصريون بأسره على الفور.

بقي الجنود الإسرائيليون في مخابئهم ولم يخرجوا لمواجهة الهجوم المصري إلا بعد أن قام أفراد القوات الخاصة المصرية بمحاولة للوصول إليهم داخل مخبأهم الحصين.

جرى تبادل لإطلاق النار بين الطرفين، وانسحبت سرية القوات الخاصة المصرية وعادت إلى الضفة الأخرى من قناة السويس بعد إنجاز مهمتها.

الرواية الإسرائيلية عن نتائج هذا الاقتحام الجريء تحدثت عن تدمير دبابتين إسرائيليتين ومقتل 8 جنود إسرائيليين وإصابة 9 آخرين، فيما تحدث الجانب المصري عن خسائر أكبر في الدبابات الإسرائيلية وفي القوة البشرية.

أفراد القوات المصرية الخاصة التي نفذت الهجوم قامت بزرع علمين مصريين قبل انسحابها وعودتها إلى نقطة انطلاقها في بور توفيق.. العلمان بقيا على مرأى الجميع يرفرفان ليومين.

أما الجندي الإسرائيلي الذي تم أسره بعد إصابته في تلك العملية الخاصة المصرية، فقد أعيدت جثته إلى الجانب الإسرائيلي بعد بضعة أيام.

الرئيس المصري في ذلك الوقت جمال عبد الناصر كرّم جنرال مصر الفريق عبد المنعم رياض بعد وفاته، وأصبح 9 مارس يوما للشهيد، فيما أطلق اسمه على شوارع وساحات في عدة دول عربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.